تخبط إسرائيل في غزة- فشل الأهداف وتصاعد المقاومة واستراتيجيات المرحلة الثالثة

المؤلف: حاتم كريم الفلاحي10.17.2025
تخبط إسرائيل في غزة- فشل الأهداف وتصاعد المقاومة واستراتيجيات المرحلة الثالثة

يتجلى بوضوح التخبط الذي يعتري الجيش الإسرائيلي، وهو أمر لطالما أكدنا عليه، وذلك نتيجة لغياب رؤية سياسية أو عسكرية راسخة للتعامل مع فترة ما بعد الحرب. هذا التخبط يأتي بعد التوغل العميق في كافة أرجاء قطاع غزة، والفشل الذريع في تحقيق الأهداف المعلنة للحرب التي وضعها رئيس الوزراء نتنياهو. تلك الأهداف شملت تدمير القدرات العسكرية لحماس، ونزع سلاحها بشكل كامل، والقضاء على حكمها السياسي والإداري، وتحرير الأسرى الإسرائيليين، وقتل أو أسر القادة العسكريين والسياسيين في الحركة.

وقد شنّت القوات الإسرائيلية حملتها العسكرية الدامية كرد فعل انتقامي على عملية "طوفان الأقصى". شنّ جيش الاحتلال معارك طاحنة استخدم فيها قوات برية ضخمة، وقدرات جوية ومدفعية هائلة، مما أدى إلى تدمير البنى التحتية في غزة تدميراً شاملاً، وتحويلها إلى منطقة غير قابلة للحياة، بعد القضاء على مقومات الحياة الطبيعية فيها. وارتكبت القوات الإسرائيلية مجازر مروعة أودت بحياة ما يقارب أربعين ألف مدني بريء، وجرحت نحو تسعين ألفاً آخرين، كما أخرجت عن الخدمة الكثير من المستشفيات والمدارس، ومعظم الدوائر الإدارية والإغاثية العاملة في القطاع.

وتجري هذه الفظائع وسط صمت دولي وعربي مخزٍ، إن لم يكن هناك دعم خفي لما ترتكبه إسرائيل، وهو ما انعكس في المواقف الهزيلة التي اتخذتها دول المنطقة.

المرحلة الأولى من الحرب على غزة:

بدأت المرحلة الأولى من الحرب بقصف جوي ومدفعي مركز انطلق منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول عام 2023، واستمر لمدة عشرين يوماً متواصلة. أعقب ذلك توغل بري بمناورات عسكرية واسعة النطاق، بدأت في السابع والعشرين من أكتوبر/تشرين الأول، واستمرت حتى 24 نوفمبر/تشرين الثاني، حيث تم التوصل إلى هدنة مؤقتة بين الطرفين لتبادل الأسرى، والسماح بإدخال المساعدات الإنسانية والطبية إلى القطاع المحاصر .

لم تصمد الهدنة طويلاً، حيث استمرت لمدة سبعة أيام فقط، ليعود القتال بعدها أكثر شراسة وعنفاً، وذلك في الأول من ديسمبر/كانون الأول لعام 2023. شهدت هذه الفترة استعراضاً للقوة بين الجانبين، تجلى في قصف صاروخي متبادل استهدف مراكز الثقل السياسي والعسكري في العديد من المدن المحتلة. كما شهد القطاع قصفاً وتدميراً واسعاً للبنى التحتية الحيوية في كافة مناحي الحياة، واندلعت مناورات عسكرية عنيفة، أدت إلى استنزاف كبير للقوات الإسرائيلية، وفصائل المقاومة الفلسطينية.

المرحلة الثانية من الحرب على غزة:

في مستهل شهر ديسمبر/كانون الأول عام 2023، انطلقت المرحلة الثانية من الحرب، بشن هجوم شامل وبقوات عسكرية كبيرة على مدينة خان يونس بقيادة الفرقة (98) التي ضمت ثمانية ألوية قتالية، بالإضافة إلى الهجوم على المنطقة الوسطى بقيادة الفرقة (36)، والتي تم سحبها وإعادتها بعد فترة وجيزة إلى المنطقة الشمالية، بسبب تصاعد حدة المواجهة على الجبهة اللبنانية، وتم استبدالها بالفرقة (99).

وقد اعتمدت هذه المرحلة على ما تحقق من مكاسب عسكرية في المرحلة الأولى، واستمرت معركة خان يونس لمدة أربعة أشهر، ثم تم الانسحاب من المنطقة الوسطى بعد حادثة تفجير المغازي المروعة، والتي أسفرت عن مقتل أعداد كبيرة من عناصر سلاح الهندسة التابع للجيش الإسرائيلي.

ويمكن وصف هذه المرحلة الحاسمة بمرحلة التعادل الإستراتيجي لكلا الطرفين!، حيث لا يزال كلاهما يحتفظ بالإمكانات والقدرات التي تمكنهما من إدارة معركة متوازنة نسبياً على مختلف المستويات؛ الميدانية، والعملياتية، والإستراتيجية، على الرغم من الاختلال الكبير في موازين القوى. واستمرت هذه المرحلة الثانية حتى يومنا هذا، مع استمرار القتال في مدينة رفح.

لقد بدأ الهجوم على مدينة رفح في السادس من مايو/أيار الماضي، كجزء من المرحلة الثانية من الحرب على قطاع غزة. ومع اقتراب نهاية هذه المعركة في رفح، يبدو أن كلا الطرفين قد وصلا إلى مرحلة من الإنهاك والاستنزاف، نتيجة لطول أمد المعركة، والخسائر الفادحة التي تكبدها الجانبان طوال أكثر من تسعة أشهر من الحرب الشرسة والمتواصلة. ويعاني الجيش الإسرائيلي من نقص حاد في القوة القتالية، وفي المعدات والآليات والذخائر، وخاصة القوات الآلية والمدرعة، والدبابات التي لحقت بها خسائر فادحة وغير مسبوقة في هذه الحرب.

كما كشفت الحرب عن ضعف ومحدودية الوسائل التقنية التي استخدمها الجيش الإسرائيلي في مواجهة المقاومة، بعد انهيار منظومة الاستشعار والإنذار المبكر، وفشل منظومة القبة الحديدية في التصدي للصواريخ الفلسطينية.

وتزامنت هذه المرحلة مع تصاعد التهديدات والمواجهات على جبهات أخرى، مثل الضفة الغربية والجبهة اللبنانية. وما تحقق في الحرب على قطاع غزة لا يتعدى كونه إنجازات تكتيكية لا قيمة لها على المستوى الإستراتيجي، ولا تتناسب مع القدرات والإمكانات التي يمتلكها الجيش الإسرائيلي، خاصة مع الدعم اللامحدود الذي يتلقاه من الولايات المتحدة الأميركية. ومع ذلك، عادت المقاومة الفلسطينية إلى معظم المناطق التي انسحب منها الجيش الإسرائيلي، بسبب نقص القوات وعدم قدرته على السيطرة على الأرض، مع تصاعد وتيرة عمليات المقاومة.

تراجع الإستراتيجية الإسرائيلية عن أهداف الحرب:

لقد ظهر العديد من القادة العسكريين الإسرائيليين بتصريحات متلفزة، كشفت عن قدرة المقاومة الفلسطينية على إدارة معركة دفاعية ناجحة، باستخدام تكتيك حرب العصابات، وإستراتيجية غير مباشرة بطريقة لا مركزية في المواجهة العسكرية، من خلال الاعتماد على مجموعات مستقلة صغيرة، ولكنها فعالة، مما يجعل مهمة التعامل معها صعبة وطويلة الأمد.

وقد جاءت هذه التصريحات لتبرير الفشل الذريع في تحقيق أهداف الحرب، حيث أشارت إلى أن المواجهة قد تطول لسنوات. وعلى سبيل المثال، صرح آمر لواء النقب (12) بأن "تفكيك القدرات العسكرية لحركة حماس ليس بالأمر الهين، وقد يستغرق عامين آخرين". بينما قال قائد إدارة القتال في لواء ناحال (933): "أعتقد بأننا سنبقى في محورَي فيلادلفيا ونتساريم لعدة أشهر، وربما لسنوات".

كما صرح قائد لواء ناحال لصحيفة "إسرائيل هيوم" بأن القوات العسكرية ستبقى في محور فيلادلفيا في حال طُلب منها ذلك، وأضاف: "الجيش الإسرائيلي يقوم بإنشاء منظومة دفاعية في حال تطلب منه الأمر ذلك". وهذا يدل بوضوح على التخبط الكبير، حيث يرى أحدهم أن البقاء قد يستمر لستة أشهر، بينما يرى آخر أنه قد يستمر لسنوات، مما يعكس غياب رؤية حقيقية وإستراتيجية عسكرية واضحة للتعامل مع مرحلة ما بعد الحرب.

الدخول إلى المرحلة الثالثة تدريجيًا:

تزامن الإعلان المتتالي من قبل القيادات العسكرية والسياسية عن الانتقال التدريجي إلى المرحلة الثالثة، مع استمرار القتال المحتدم في مدينة رفح، حيث تضاربت التصريحات حول موعد انتهاء المهمة القتالية فيها، وتراوحت بين أسبوعين إلى أربعة أسابيع، وحتى سنوات!

كما تزامن ذلك مع تصاعد الخسائر في صفوف الجيش الإسرائيلي بشكل غير مسبوق، نتيجة للتطور الكبير في أداء المقاومة الفلسطينية في مناطق مختلفة من المواجهة، وخاصة في الشجاعية وتل الهوى، وتل السلطان ويبنا وبني سهيلة والزنة.

وقد تزامنت هذه الخسائر مع صدور تصريحات حول انتقال القتال في جميع مناطق القطاع إلى المرحلة الثالثة من الحرب، مع قرب انتهاء معركة رفح، حيث ستكون العمليات العسكرية أقل كثافة وأكثر تركيزًا، من خلال شن عمليات عسكرية سريعة، وبقوات محدودة على مناطق جغرافية محددة، بهدف القضاء على حماس ومنعها من إعادة تنظيم صفوفها، وفقاً لما أعلنه الجيش الإسرائيلي.

ملامح المرحلة الثالثة:

  • غارات خاطفة بقوات محدودة: يؤكد الجيش الإسرائيلي أن المرحلة الثالثة ستتميز بالنشاط الجوي والهجمات الخاطفة بقوات محدودة. وأرى أن التركيز سينصب على التفكيك النفسي والمادي لفصائل المقاومة، من خلال إطالة أمد المعركة، وتنفيذ عمليات أمنية عشوائية تبدأ بشن غارات جوية مدمرة على المدنيين في جميع المناطق، بما فيها المناطق المصنفة بأنها آمنة، لإيقاع أكبر قدر ممكن من الخسائر البشرية والمادية، بهدف إجبار المدنيين على تقديم معلومات حول أماكن تواجد قادة المقاومة، وكذلك أماكن احتجاز الأسرى.

وكذلك لبث روح اليأس في نفوس المقاومين، كما حدث في منطقة المواصي والنصيرات وخان يونس. والجدير بالذكر أن جميع المناطق الآمنة، بما فيها مدارس الأونروا، مسجلة لدى الأمم المتحدة وإسرائيل، ويتم تبادل إحداثياتها بشكل يومي مع القوات الإسرائيلية، ومع ذلك يتم قصف هذه المناطق، كما حصل في المناطق الشرقية لمدينة خان يونس، التي طُلب من سكانها الإخلاء تحت وابل من النيران والقصف، وصولاً إلى المنطقة الآمنة في المواصي التي تم اقتطاع أجزاء منها.

  • سيعمل الاحتلال على تقليل تدفق المساعدات الإنسانية والطبية، وسيحاول استغلالها لإدخال قوات أمنية إسرائيلية تحت غطاء إنساني، كما حدث في النصيرات ورفح، بالإضافة إلى شن عمليات اقتحام ومداهمة على مناطق معينة، استناداً إلى معلومات استخباراتية وأمنية دقيقة، لتنفيذ عمليات توغل محددة للبحث عن الأسرى، والقادة، والأنفاق، والبنى التحتية التابعة لفصائل المقاومة، بما فيها مخازن الأسلحة والذخيرة، ومنصات إطلاق الصواريخ، لضمان منع حماس من تهديد إسرائيل مرة أخرى.

ويتطلب ذلك تنفيذ عمليات اغتيال لقادة وأفراد المقاومة بقصف جوي ومدفعي وحشي، حتى ولو أدى ذلك إلى قصف المدنيين، للضغط على قيادات المقاومة للقبول بالشروط الإسرائيلية. يشار إلى أن العديد من المناطق شهدت عودة القوات الإسرائيلية إليها مرة أخرى، مثل: مستشفى الشفاء وجباليا، وجباليا البلد، وبيت حانون، والشجاعية، والصبرة والزيتون، وتل الهوى، والنصيرات، وخان يونس.

إن ملامح المرحلة الثالثة التي يعتزم جيش الاحتلال الإسرائيلي تنفيذها تتلخص في الانتقال إلى مرحلة جديدة تتضمن "عدداً أقل من القوات البرية، وغارات جوية"، كما صرح المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي "دانيال هاغاري".

إلا أن الأحداث الجارية في خان يونس تتناقض مع ذلك تماماً، حيث تم الهجوم بالفرقة (98)، وثلاثة ألوية قتالية، هي: اللواء السابع المدرع، ولواء المظليين (35)، ولواء المغاوير (89)، مدعومة بقصف جوي ومدفعي انتقامي من المدنيين، وما زالت العملية العسكرية مستمرة حتى الآن. وتشير المعلومات إلى إبقاء السيطرة على محور نتساريم الذي يفصل مناطق الشمال عن مناطق الوسط والجنوب، بما يضمن الوصول إلى مختلف مناطق القطاع بسرعة كبيرة، حيث تتمركز الفرقة (99) بقوة لواءَين، هما: اللواء الثامن المدرّع، واللواء المشاة (3) ألكسندروني، التابعان للفرقة (91) تشكيلات الجليل، وقد تم سحبهما من المنطقة الشمالية للقتال في قطاع غزة، على الرغم من التهديد الإسرائيلي بفتح جبهة الشمال.

وهذا يدفعني إلى ترجيح الخيار الجوي في فتح جبهة الشمال على نطاق واسع، بدلاً من خيار الاجتياح البري في حالة التصعيد مع لبنان.

كما يتم توسيع هذا المحور إلى مسافة (4 كم)، مما يعني توسيع نطاق عمليات التوغل نحو مناطق الشمال، كما حدث في تل الهوى والزيتون والشيخ عجلين، وكذلك باتجاه الجنوب نحو الزهراء والمغراقة، ليصبح هذا الممر أو المحور موقعاً عملياتياً متقدماً لتنفيذ غارات خاطفة وسريعة إلى داخل قطاع غزة.

وقد أشار وزير الدفاع الإسرائيلي "يوآف غالانت" لصحيفة "وول ستريت جورنال" في يناير/كانون الثاني الماضي إلى "انتقال الجيش من مرحلة المناورة المكثفة إلى نوع معين من العمليات الخاصة"، التي يمكن تلخيصها بالانتقال إلى استخدام إستراتيجية المحور والغارة، كما حدث في استخدام محور نتساريم في عملية النصيرات، حيث يضم هذا المحور أربع نقاط دفاعية: الأولى على شارع الرشيد، والثانية على تقاطع شارع صلاح الدين، والثالثة بالقرب من مستشفى الصداقة التركي، والأخيرة عند أبو عربيان بالقرب من جحر الديك.

بالإضافة إلى وجود ثلاثة طرق رئيسية: أحدها لنقل القطع الآلية والمدرعة، وآخر لعمل القوات الدولية، وأخيراً طريق للحركة السريعة، لإتاحة المجال لتنفيذ عمليات عسكرية خاطفة وسريعة على غرار ما يجري في الضفة الغربية، أي مرحلة "جز العشب" وفقاً لما نقلته صحيفة هآرتس. مع الأخذ في الحسبان أن إطالة أمد الحرب هي أهم أهداف المرحلة الثالثة ضمن إستراتيجية نتنياهو لكسب الوقت والبقاء في السلطة لأطول فترة ممكنة، وإجبار الشعب الفلسطيني على الهجرة من القطاع.

مناطق محتملة لبقاء القوات الإسرائيلية:

تشير التسريبات إلى أن محور فيلادلفيا سيكون تحت السيطرة العسكرية الإسرائيلية في المرحلة الثالثة، ما لم يتم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، وانسحاب القوات الإسرائيلية من محوري نتساريم وفيلادلفيا بشكل كامل، ضمن آلية يتم الاتفاق عليها بين الطرفين. وهذا يشير إلى أن محور فيلادلفيا، بما في ذلك معبر رفح، سيظل تحت السيطرة العسكرية الإسرائيلية في هذه المرحلة الثالثة، مما يعني خنق القطاع بشكل كامل وعزله عن العالم الخارجي.

كما سيتم السيطرة على المنطقة العازلة التي تمتد من البحر في بيت لاهيا إلى بيت حانون بمحاذاة الشريط الشرقي للقطاع، وصولاً إلى معبر كرم أبو سالم ومعبر رفح حتى البحر بعمق (1 كم) على طول الشريط الحدودي مع غزة.

وهذا يعني تدمير مساحات واسعة من الأراضي الزراعية، وهدم وتدمير ممنهج لآلاف المنازل والأحياء السكنية، واحتلال مناطق جديدة مثل نتساريم، وتقليصها إلى نسبة (26%) من مساحة القطاع. وتشير بعض التسريبات إلى أن خمسة ألوية ستتولى مهام المرحلة الثالثة، التي ستشهد عمليات عسكرية على شكل غارات سريعة ومحدودة، حيث يعارض القادة العسكريون – خاصة وزير الدفاع الإسرائيلي غالانت، ورئيس هيئة الأركان هرتسي هاليفي – البقاء العسكري في قطاع غزة، لأنه سيشكل استنزافاً كبيراً لقواتهم العسكرية مع تعدد التهديدات.

إن بقاء الجيش الإسرائيلي في المناطق التي حددها، وهي محوري نتساريم وفيلادلفيا والمنطقة العازلة، سيجعل هذه المناطق أهدافاً إستراتيجية لفصائل المقاومة، من خلال شن هجمات مباشرة وغير مباشرة بالقوة الصاروخية وقذائف الهاون. ولا أستبعد أن تشن هجمات خاطفة على مناطق تواجدهم، على غرار الهجمات التي تم تنفيذها في الشجاعية وتل السلطان، خاصة أن محور نتساريم يعتبر جيباً خطيراً، لأنه يقع بين فكَّي كماشة بين كتائب القسام في لواء الشمال وغزة، وبين لواء الوسط، وكان هدفاً للقوة النارية الفلسطينية بصواريخ رجوم (114 ملم)، وقذائف الهاون (120 ملم)، وصواريخ (107 ملم)، إضافة إلى عمليات القنص.

وهذا يدل على أننا أمام معركة استنزاف كبيرة، خاصة أن جيش الاحتلال الإسرائيلي يعاني من طول أمد المعركة التي أنهكت قوات الاحتياط واستنفدت طاقاتهم، فضلاً عن النقص الكبير في المعدات والذخائر، بالإضافة إلى الانقسام الكبير بين القيادات السياسية والعسكرية، والذي بدأ يظهر إلى العلن بشكل واضح، مما يؤثر على وحدة القرار، ويزيد من الانقسام الداخلي، خاصة أن قضية تجنيد الحريديم بدأت تتصاعد بشكل كبير.

والسؤال الذي يجب أن تجيب عنه القيادات العسكرية والسياسية الإسرائيلية، هو: كيف سيتم تحقيق أهداف الحرب الإستراتيجية من خلال عمليات عسكرية خاطفة وسريعة بقوات محدودة؟، أو من خلال القصف الجوي باستخدام الكثافة النارية، والجميع يعلم أن القوة الجوية يمكن أن تؤمن تفوقاً إستراتيجياً، ولكنها لن تستطيع حسم المعركة بشكل نهائي، ما لم تكن هناك قوات قادرة على السيطرة على الأرض، خاصة أن الجيش الإسرائيلي فشل في تحقيق أهداف الحرب من خلال المناورات العسكرية الكبرى.

فهل ستنجح هذه العمليات المحدودة والقصف الجوي على المدنيين في تحقيق أهداف الحرب؟، خاصة أن العديد من المراقبين يرون أن العمليات العسكرية استنفدت أغراضها وأهدافها، ولن تضيف أي إنجاز عسكري لما تم تحقيقه، حيث إن المرحلة الثالثة تعني سحب معظم القوات العسكرية الميدانية لتتمركز خارج قطاع غزة ومحور نتساريم، مما يشير إلى البقاء العسكري المحدود كما ذكرنا آنفاً.

وهنا لا أنفي أن ذلك سيتيح للقيادة العسكرية في هيئة الأركان المناورة بالقوات باتجاه المنطقة الشمالية مع لبنان، ولكن جميع هذه الترتيبات الإسرائيلية سترتبط بالحالة العسكرية والميدانية في القطاع، مع قدرة المقاومة على شن هجمات مؤثرة على مناطق تواجد الجيش الإسرائيلي، الذي يحاول أن يجعل من مناطق قطاع غزة على غرار ما يجري في الضفة من مداهمات واقتحامات.

بيد أن هذا السيناريو لا يمكن تطبيقه على قطاع غزة في ظل تواجد المقاومة بهذه القوة والقدرة العسكرية، وحالة المواجهة القائمة بين الجانبين. ويؤكد وزير الدفاع الإسرائيلي "غالانت" أن "إسرائيل ستواصل الحرب حتى تعجز حماس عن إعادة بناء قدراتها من جديد".

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة